القرار 181
صدر القرار 181 في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، وهو حدث محوري في تاريخ فلسطين أدى إلى تقسيم أرض فلسطين لصالح الأقلية اليهودية مقابل الأغلبية العربية. شكل هذا القرار نقطة الانطلاق للأحداث اللاحقة والصراعات المعقدة بين إسرائيل، الفلسطينيين والدول العربية.
تم إقرار هذه الوثيقة الدولية تحت تأثير كبير من النشاطات المستهدفة للواء الصهيوني والضغوط السياسية للولايات المتحدة الأمريكية. يتناول موقع نظمي نو تحليل العلاقات المعقدة بين دعم الأمم المتحدة للنظام الإسرائيلي المنشأ حديثاً، والعلاقات الجيوسياسية، والدور المحوري للولايات المتحدة في تمرير هذا القرار المثير للجدل.

مسار إقرار القرار 181
كان دفع القرار 181 في الأمم المتحدة مليئًا بالمناورات واللوبيات السياسية. لقد سعى الحراك الصهيوني لفترة طويلة للحصول على اعتراف ودعم دولي فيما يتعلق بتأسيس دولة يهودية في فلسطين. في أواخر الأربعينيات، وضعوا خطة التقسيم كوسيلة لإنشاء هذه الدولة رسميًا ضمن أولوياتهم. ومع ذلك، كان الرد العربي المحلي واضحًا في رفض هذا المخطط، معتبرين إياه فرضًا وتدخلًا أجنبيًا في أرضهم.
خلال المناقشات والمساومات التي أدت في النهاية إلى التصويت في الأمم المتحدة وإصدار القرار المطلوب، كان كلا الطرفين منخرطين في جهود لوبي نشطة. ومع ذلك، لعب اللوبي الصهيوني، لا سيما في الولايات المتحدة، دورًا مهمًا في تشكيل النتيجة النهائية.



استراتيجيات اللوبي الصهيوني
استخدم اللوبي الصهيوني عدة استراتيجيات رئيسية للتأثير على مستوى دعم الولايات المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين لصالح اليهود، لا سيما في الأشهر الحساسة التي سبقت تصويت الجمعية العامة على خطة تقسيم فلسطين عام 1947. وبشكل خاص، كان اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة قد بدأ نفوذه منذ أوائل القرن العشرين. خلال مفاوضات الأمم المتحدة، قامت منظمات مثل اللجان الطارئة الصهيونية الأمريكية (AZEC – American Zionist Emergency Committees) بتعبئة مواردها وشبكاتها من أجل الترويج وتحقيق أهدافها.
من الشخصيات الرئيسية التي برزت خلال هذه الأنشطة، كان إيزايا كينين (Isaiah Kenen) الذي لعب دورًا فاعلًا بفهمه للوضع السياسي الداخلي وضرورة كسب دعم الكونغرس الأمريكي في هذا الصدد. استخدم كينين العلاقات التي بنىها في الكونغرس للحصول على دعم الولايات المتحدة لـ «قرار التقسيم».
كان يعلم فعليًا أنه من الضروري دعم كل من السلطة التنفيذية والتشريعية، وهذا يعكس النهج المعقد والمتعدد الطبقات للصهاينة في مجال اللوبي السياسي. في الواقع، شملت استراتيجيات اللوبي الصهيوني، بجانب التفاعل المباشر مع القادة السياسيين، تعبئة التجار والمثقفين اليهود البارزين للتأثير على الرأي العام وتوجيه الإجراءات السياسية. على سبيل المثال، تم توجيه الشخصيات المهمة في الجالية اليهودية الأمريكية للضغط على ممثليهم المحليين لجذب دعمهم لخطة تقسيم فلسطين.
تحولت هذه الجهود المحلية والمبدئية لاحقًا إلى حملة واسعة النطاق تهدف إلى كسب الأصوات المرجوة من مختلف الدول في الأمم المتحدة. وفيما يلي بعض المجالات الرئيسية لنشاط اللوبي الصهيوني:
- التفاعل وجذب دعم الدوائر الأكاديمية والفكرية:
سعى اللوبي الصهيوني في أمريكا إلى كسب دعم مؤسسات التعليم العالي وتعبئة الأكاديميين اليهود. على سبيل المثال، في يناير 1945، تم توقيع عريضة تدعم إعادة تأسيس فلسطين كـ «كومنولث يهودي» من قبل 150 رئيس كلية وجامعة في أنحاء الولايات المتحدة. ساهم هذا التصريح من المجتمع الأكاديمي الأمريكي في تعزيز التأثير على الرأي العام والقادة السياسيين عبر إظهار مدى الدعم للأهداف الصهيونية. - الدبلوماسية الدولية والتواصل مع ممثلي الأمم المتحدة:
كان قادة الحركة الصهيونية يتعاونون بنشاط مع ممثلي الأمم المتحدة والدبلوماسيين الدوليين الآخرين لطرح قضاياهم المتعلقة بتقسيم فلسطين والترويج لها. كان هدفهم الحصول على الأصوات المناسبة وكسب التأييد العام للخطة، مع استثمار الديناميات الجيوسياسية على الساحة الدولية، خصوصًا في فترة كانت القوى الكبرى تهيمن على شؤون الشرق الأوسط. - كسب دعم الأقليات وتنظيم التظاهرات العامة:
نظم اللوبي الصهيوني أيضاً مظاهرات وحملات إعلامية واسعة لدعم خطة تقسيم فلسطين والضغط على المشرعين الأمريكيين. استخدموا قنوات اتصال متعددة لصياغة سرديات تعزز الشعور بالإلحاح والضرورة الأخلاقية لتأسيس دولة يهودية بين الشخصيات السياسية وأفراد المجتمع الأمريكي البارزين. - الاستفادة من مفهوم المصالح المالية والاقتصادية:
ركزت المنظمات الصهيونية على الفوائد الاقتصادية المحتملة لدعم تأسيس دولة يهودية، وقدموا أهدافهم في إطار فرص اقتصادية جذابة واستقرار. وكان هدفهم توجيه هذه الرسائل إلى صانعي السياسات في الولايات المتحدة والجمهور الأمريكي بشكل عام.
لوبيون صهيونيون آخرون فيما يتعلق بخطة التقسيم
بالإضافة إلى إيزايا كينين، كان برنارد باروخ (Bernard Baruch) وسول بلوم (Sol Bloom) من الشخصيات المؤثرة الأخرى في مجال أنشطة اللوبي الصهيوني خلال الفترة الحساسة التي سبقت صدور قرار التقسيم من الأمم المتحدة عام 1947. برنارد باروخ، وهو مستثمر بارز ومستشار سياسي أيضًا، تم توظيفه لممارسة نفوذ واسع في وسائل الإعلام والدوائر السياسية الأمريكية. نظم حملات ضغط على صحف كبرى مثل «نيويورك تايمز» لترويج آراء داعمة للصهاينة وإدانة الدول التي قاومت خطة التقسيم.
وفي الوقت ذاته، لعب سول بلوم، النائب الصلب في الكونغرس المؤيد للنظام الصهيوني من نيويورك، دورًا مهمًا في دعم هذه الخطة داخل المجال التشريعي الأمريكي. استخدم بلوم موقعه لكسب دعم الكونغرس لأهداف الحركة الصهيونية، وكان يقوم باستمرار بصياغة مشاريع وقوانين تتماشى مع الأهداف التي طرحها قادة الصهاينة. تجسد هذه الشخصيات معًا نموذجًا للنهج الطموح والمتعدد الأوجه للّوبي الصهيوني، الذي يسعى لضمان دعم سياسي على أعلى المستويات لقرار التقسيم، وجهودهم الدؤوبة لكسب حلفاء داخل الحكومة الأمريكية والدوائر الاجتماعية ذات النفوذ


دور اللوبي الصهيوني في اعتماد قرار 181 للأمم المتحدة
لعب ديفيد نايلز (David Niles) دورًا مهمًا في دفع مواقف الصهاينة خلال فترة صدور قرار تقسيم فلسطين من الأمم المتحدة عام 1947. فقد كان نايلز، بصفته مساعدًا خاصًا للرئيس لشؤون الأقليات، شخصية محورية في تسهيل التواصل بين لوبي اليهود والسياسيين الأمريكيين. من خلال إدخال رؤى استراتيجية إلى الساحة السياسية، ترك تأثيرًا كبيرًا على مسار دعم تقسيم فلسطين. كانت جهوده، لا سيما قبيل تصويت الجمعية العامة في 29 نوفمبر 1947، حينما واجه اللوبي الصهيوني تحديات غير متوقعة من دول مثل الفلبين وهايتي، حاسمة للغاية. سمحت له شبكة علاقاته الواسعة بالتأثير على صنع السياسة الأمريكية وتوحيد الشخصيات البارزة في المجتمع اليهودي لدعم أهداف اللوبي.
وفقًا للتقارير، قام نايلز بمواجهة الآراء الخبيرة وابتكار حلول لتنسيق أعضاء الحكومة الأمريكية لدعم قرار 181. يعكس هذا المستوى من النشاط الاستخدام الاستراتيجي لوظيفته للدفاع عن مصالح الصهاينة في لحظة حاسمة لتأسيس دولة إسرائيل. تكشف هذه الحادثة عن العلاقة العميقة بين جهود اللوبي للشخصيات المؤثرة والدعم اللامشروط من صانعي القرار الأمريكيين عند إقرار القرار.
شهدت أربعينيات القرن العشرين ظهور حركة واسعة شملت اتحادات ومنظمات يهودية متعددة. نظمت هذه المؤسسات حملات شعبية مكثفة بهدف تغيير الرأي العام لصالح خطة الصهاينة. إذ أقاموا فعاليات ونقاشات عامة قدموا فيها تأسيس الدولة اليهودية كضرورة أخلاقية بعد المحرقة. في الوقت نفسه، تعاونوا مع المثقفين الداعمين للصهيونية في الأوساط الأكاديمية لتعزيز الخطاب العام لصالح هذا التيار.
لقد شكّل التعاون الاستراتيجي بين قادة اللوبي الصهيوني مثل كينين، باروخ، بلوم، ونايلز، إلى جانب المنظمات الاجتماعية المرتبطة، شبكة قوية. وقد تعاملت هذه الشبكة بفعالية مع المعارضة ونشرت فكرة تقسيم فلسطين على نطاق واسع داخل السياق السياسي والاجتماعي الأمريكي. في النهاية، مهدت هذه الجهود المنسقة الطريق لإقامة دولة إسرائيل، التي تمثل نقطة تحول مهمة في تاريخ الشرق الأوسط.
التغيرات والتحولات في المشهد السياسي الأمريكي بشأن خطة التقسيم
في 29 نوفمبر 1947، وبعد مفاوضات وضغوط لوبي مكثفة، أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181. دعا هذا القرار إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين، يهودية وعربية، ودمجهما ضمن اتحاد اقتصادي، ووضع مدينة القدس تحت إدارة ورقابة دولية. حظي إقرار هذا القرار بإشادة الصهاينة، لكنه قوبل بغضب قادة العرب، الذين اعتبروا إقراره انتهاكًا لحقوقهم وللوحدة الترابية لفلسطين.
تشير الوثائق والأدلة المتوفرة منذ ذلك الحين إلى كيف لعب اللوبي الصهيوني دورًا حاسمًا في اللحظات الأخيرة لكسب أصوات الدول المترددة. ويتضح عمق نفوذ وتعاون الولايات المتحدة الأمريكية في تصويت الأمم المتحدة، حيث قام ممثلوها بنشاط بالترويج لخطة التقسيم وجذب تأييد ممثلي الدول الأخرى. كما يعكس ذلك مدى الدعم الأمريكي، المتأثر باللوبي الإسرائيلي، لهذا القرار المعادي للقضية الفلسطينية.

رأي الجمعية العامة للأمم المتحدة
في ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧، وبعد مفاوضات وضغوط مكثفة، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار ١٨١. ينص هذا القرار على تقسيم فلسطين إلى دول منفصلة يهودية وعربية، ودمجها في إطار اتحاد اقتصادي، ووضع القدس تحت إدارة وإشراف دولي. حظي اعتماد هذا القرار بإعجاب الصهاينة، لكنه قوبل بغضب زعماء العرب، لأنهم اعتبروه تضييعا لحقوقهم وسلامة أراضيهم. تُظهر الوثائق والأدلة المتوفرة من ذلك الوقت كيف لعب اللوبي الصهيوني في اللحظة الأخيرة دورا هاما في الحصول على أصوات الدول المترددة. كما يتضح عمق النفوذ والتعاون الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية في تصويت الأمم المتحدة، حيث كان ممثلوها نشيطين في الترويج لخطة التقسيم وجذب تأييد ممثلي الدول الأخرى. كما يعكس حجم دعم أمريكا، تحت تأثير اللوبي الإسرائيلي، لهذا القرار المناهض للفلسطينيين.


تبعات و تأثيرات القرار ١٨١
أدى قبول القرار ١٨١ إلى سلسلة من الأحداث التي انتهت بتأسيس دولة إسرائيل في عام ١٩٤٨، ومن ثم اندلاع حرب العرب وإسرائيل. كما يُعتبر اعتماد القرار من قبل العديد من الفلسطينيين بداية “النكبة” أو “المأساة”، التي تمثل بداية التهجير والظلم الواسع ضدهم. عند إعادة النظر في هذا الحدث، يمكن ملاحظة كيف أن مزيج الضغوط الصهيونية والإجراءات السياسية الأمريكية خلال مفاوضات الأمم المتحدة قد أسهم في تشكيل نتائج تاريخية ومصيرية. لا تزال تداعيات هذه الأفعال تُناقش في الحوارات المعاصرة حول حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، واستمرار الاحتلال والظلم من قبل النظام الصهيوني تجاه أصحاب الحقوق الحقيقيين في فلسطين.


العوامل والعناصر العامة التي أثرت في تبنّي «قرار التقسيم» على المستوى الدولي
جهود اللوبي الصهيوني:
كان للّوبي الصهيوني دور أساسي في دعم إقامة دولة يهودية، وركّز جهوده على التأثير في القرارات السياسية في الولايات المتحدة وبريطانيا. خصوصاً في الشهور الحاسمة التي سبقت التصويت في الأمم المتحدة على خطة تقسيم فلسطين، بذل اللوبي الصهيوني أقصى جهده لضمان دعم الولايات المتحدة لمطالب الصهاينة. في هذا الإطار، تم التركيز على التواصل والنفوذ داخل الكونغرس الأمريكي والشخصيات الرئيسية في الحكومة للضغط على الدول الأخرى من أجل كسب أصوات إيجابية لصالح القرار.
السياق الدولي:
كان للبيئة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية تأثير كبير على ردود فعل المؤسسات الدولية والدول بشأن الوضع في فلسطين. فقد خلّقت المحرقة (الهولوكوست) ووضع اللاجئين اليهود مأساة إنسانية دفع بالكثير من الدول في المجتمع الدولي إلى اعتبار دعم اليهود في إقامة وطن لهم ضرورة أخلاقية. هذا السياق جعل فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين أكثر قبولاً وتبريراً.


موقف بريطانيا ودخول الولايات المتحدة:
بعد الحرب العالمية الثانية، وبسبب الضغوط الاقتصادية الصعبة، لم تعد بريطانيا راغبة في إدارة النزاعات في فلسطين، وقررت إحالة الموضوع إلى الأمم المتحدة. استغل اللوبي الصهيوني هذه الفرصة للتأثير على القرار في المنظمة الدولية. في ذلك الوقت، كان الصهاينة يعتقدون أن الدعم من قادة بريطانيا وأمريكا قد لا يكون كافياً، لذا تحوّلوا نحو زيادة اللوبي والنفوذ من أجل تعديل وتحويل مواقفهم.
التلاعب بأصوات الدول الأخرى:
فيما يخص التصويت على هذا القرار، توجد حالات تدخل مباشر للّوبي الصهيوني بهدف التأثير على أصوات الدول الصغيرة في الأمم المتحدة. قاموا بذلك لضمان حصولهم على الأغلبية اللازمة لتمرير قرار التقسيم. على سبيل المثال، يظهر الصراع الواضح للّوبي مع دول مثل الفلبين وهايتي، التي كانوا واثقين من دعمها للقرار لكنها خالفت التوقعات عند التصويت، أن هناك تنسيقاً واتفاقاً مسبقاً على كل الأصوات.

في المجمل، كان لتداخل مشاعر إنسانية متداولة بسبب تصوير معاناة اليهود، إلى جانب تقدم استراتيجيات اللوبي الصهيوني الفعّالة، دور هام في قرار الأمم المتحدة بدعم إقامة إسرائيل عبر قرار التقسيم. إذ أدت أساليب اللوبي إلى جانب القدرات التنظيمية والمبادرات السياسية الاستراتيجية، في وقت كانت فيه المواقف الجيوسياسية الإقليمية تتغير، إلى تحقيق النتيجة النهائية المرغوبة للصهاينة وخطوة أخرى في طريق الاحتلال في فلسطين.
الحرب بين إيران وإسرائيل، الفينيق ينهض!
لا وجهات النظر