نشأت الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر على يد تيودور هرتزل، بهدف إنشاء دولة يهودية في فلسطين. ومن أبرز التحديات التي واجهتها هذه الحركة كان جذب عدد كافٍ من السكان للاستقرار في فلسطين، خاصة في ظل عدم رغبة كثير من اليهود في أوروبا بترك أوطانهم. في عقدي 1920 و1930، ومع تصاعد معاداة السامية في أوروبا نتيجة للأزمات الاقتصادية وظهور الأيديولوجيات القومية والفاشية، استغل بعض قادة الحركة الصهيونية هذه الظروف كفرصة لتعزيز أهدافهم. فقد تعاونوا مع الحكومات المعادية لليهود، بل واستعملوا الخطاب المعادي للسامية لجعل حياة اليهود في أوروبا لا تُحتمل، وبالتالي دفعهم للهجرة إلى فلسطين. تتناول هذه الدراسة استراتيجيات مثل رؤى تيودور هرتزل، اتفاق هافارا مع ألمانيا النازية، والتعاون مع الحكومة البولندية، كأمثلة على هذه السياسة.

مهاجرت صهیونیست ها به فلسطین

البداية التاريخية

شهدت أوروبا في عقدي 1920 و1930 تصاعداً ملحوظاً في معاداة السامية. فالأزمات الاقتصادية، مثل الكساد الكبير، وظهور الأيديولوجيات الفاشية والقومية، ساهمت في زيادة المشاعر المعادية لليهود. في ألمانيا، زادت سياسات النظام النازي بعد وصوله إلى السلطة عام 1933 من حدة التعصب ضد اليهود. وفي بولندا، التي كانت تضم أكبر تجمع يهودي في أوروبا (حوالي 3 ملايين نسمة قبل الحرب العالمية الثانية)، كانت الأحزاب القومية مثل الحركة الوطنية الديمقراطية تروج لمعاداة السامية. وقد شكلت هذه الظروف فرصة للصهاينة لاستغلال الضغوط القائمة لتشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين.

وجهة نظر تيودور هرتزل

تيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة، كان يعتقد أن معاداة السامية يمكن أن تكون أداة فعالة لتحقيق الأهداف الصهيونية. في مذكراته بتاريخ 12 يونيو 1895 كتب: «معادون للسامية موثوقون سيكونون أفضل أصدقائنا، والدول المعادية للسامية ستكون حلفائنا». اعتقد هرتزل أن الحكومات المعادية للسامية، بسبب رغبتها في تقليل عدد اليهود في بلدانها، ستدعم المشروع الصهيوني. كما اقترح استخدام المعادين للسامية «الموثوقين» كمراقبين لتصفية الأملاك لضمان أن خروج اليهود لا يضر بالاقتصادات المحلية. في مقال بعنوان «موشل» نشر في عام 1897 في صحيفة «دي فيلت»، استخدم هرتزل لغة تذكّر بالكليشيهات المعادية للسامية. قسم اليهود إلى فئتين: «جودن» (اليهود الحقيقيون) و«جيدن» (اليهود الدنيئون)، وسمى المعادين للصهيونية بـ«موشل»، وهو مصطلح مهين مشتق من كلمة «موش» التي تعني «فأر» في لغة اليديش. استخدم هرتزل هذه العبارات المهينة لتحفيزهم على دعم الصهيونية. كما التقى هرتزل بمسؤولين معادين للسامية لكسب دعمهم، مثل لقائه عام 1903 مع فياتشسلاف فون بوليو، وزير الداخلية الروسي المعروف بسياساته المعادية للسامية. حاول هرتزل إقناع بوليو بأن الصهيونية يمكن أن تكون حلاً لـ«المسألة اليهودية» في روسيا، لأنها تشجع الهجرة اليهودية. يظهر هذا اللقاء استعداد هرتزل للتعاون مع الحكومات المعادية للسامية لتحقيق أهدافه الصهيونية.

مهاجرت صهیونیست ها به فلسطین
مهاجرت صهیونیست ها به فلسطین

اتفاقية هاوأفارا

مع وصول النظام النازي إلى السلطة في ألمانيا عام 1933، وجد الصهاينة فرصة للتعاون مع هذا النظام المعادي للسامية. تم توقيع اتفاقية هاوأفارا في 25 أغسطس 1933 بين الاتحاد الصهيوني في ألمانيا، وبنك أنغلو-فلسطين (تحت إدارة الوكالة اليهودية)، والسلطات الاقتصادية للنظام النازي في ألمانيا. سمحت هذه الاتفاقية لليهود الألمان بنقل جزء من ممتلكاتهم من خلال شراء البضائع الألمانية وبيعها في فلسطين تحت الانتداب البريطاني. كان اليهود يودعون أموالهم في حساب خاص في ألمانيا، وتستخدم هذه الأموال لشراء البضائع الألمانية، ثم تُباع هذه البضائع في فلسطين ويتم توزيع عائداتها على المهاجرين.

بين عامي 1933 و1939، هاجر حوالي 60,000 يهودي ألماني إلى فلسطين وتم نقل نحو 105 ملايين مارك (ما يعادل تقريباً 35 مليون دولار بقيمة عام 1939). ساعدت هذه الاتفاقية الصهاينة على زيادة عدد السكان اليهود في فلسطين وتعزيز قواعدهم الاقتصادية. جلبت الاتفاقية رؤوس أموال كبيرة إلى فلسطين، حيث شكلت حوالي 60٪ من الاستثمارات التي تمت في فلسطين بين 1933 و1939 بفضل هذه الاتفاقية وأموال اليهود الألمان. ومع ذلك، كسرت الاتفاقية الحظر الدولي على ألمانيا النازية، الذي كان يهدف إلى الضغط على النظام لوقف سياساته المعادية للسامية، ومهدت الطريق لتصعيد السياسات النازية ضد اليهود.

الجدول التالي يلخص التفاصيل الرئيسية لاتفاقية هاوأفارا:

الخاصية

التفاصيل

تاريخ التوقيع

25 أغسطس 1933

الأطراف المتعاقدة

الاتحاد الصهيوني في ألمانيا، بنك أنغلو-فلسطين، السلطات الاقتصادية في ألمانيا النازية

الهدف

تسهيل هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين ونقل ممتلكاتهم

عدد المهاجرين

حوالي 60,000 شخص (1933-1939)

حجم التحويل المالي

حوالي 105 مليون مارك (ما يعادل 35 مليون دولار بقيمة عام 1939) / 60٪ من الاستثمارات في فلسطين خلال 1933-1939



التعاون مع حكومة بولندا

شهدت بولندا، التي كانت تضم حوالي 3 ملايين يهودي على مشارف الحرب العالمية الثانية، تصاعداً في معاداة السامية خلال الثلاثينيات. وبعد وفاة المشير يوزف بيلسودسكي في عام 1935، سعت الحكومة البولندية إلى تقليل عدد السكان اليهود ورأت في الصهيونية حلاً لـ«المسألة اليهودية». في هذا السياق، دعمت الحكومة البولندية الحركة الصهيونية التصحيحية بقيادة زئيف جابوتنسكي، التي كانت تؤكد على إقامة دولة يهودية باستخدام القوة العسكرية، وهو هدف يتماشى مع مصالح بولندا.

قدمت الحكومة البولندية تدريباً عسكرياً لأعضاء منظمة «بتار»، وهي جناح الشباب في الحركة الصهيونية التصحيحية، لتأهيلهم للدفاع في فلسطين. شمل التدريب تدريبات عسكرية، وتعليم استخدام الأسلحة الخفيفة، وتكتيكات القتال. وفي عام 1934، كانت بولندا تستضيف حوالي 40,000 من أصل 70,000 عضو في «بتار» على مستوى العالم. ساعد هذا الدعم العسكري أعضاء «بتار» على الاستعداد للصراعات المحتملة في فلسطين، مما عزز الوجود اليهودي في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، في سبتمبر 1937، التقى حاييم وايزمان، الزعيم الصهيوني البارز، بوزير الخارجية البولندي يوزف بيك، الذي أكد له دعم بولندا للصهيونية باعتبارها وسيلة لتقليل عدد اليهود في بولندا. كما دعمت بولندا مواقف الصهاينة في عصبة الأمم وطالبت بتخصيص أراضي أكبر للدولة اليهودية في فلسطين لاستيعاب عدد أكبر من اليهود. قدم جابوتنسكي خطة لهجرة 1.5 مليون يهودي إلى فلسطين خلال عشر سنوات، وقد لاقت ترحيباً من المسؤولين البولنديين، بمن فيهم بيك وقنصل بولندا في القدس ويتولد هولانيكي.

الجدول التالي يلخص تفاصيل التعاون مع حكومة بولندا:

الخاصية

التفاصيل

الفترة الزمنية

أواخر الثلاثينيات

المنظمة المدعومة

الحركة الصهيونية التصحيحية (بتار)

نوع الدعم

تدريب عسكري، دعم دبلوماسي في عصبة الأمم

عدد أعضاء بتار

40,000 في بولندا من أصل 70,000 عالمياً (عام 1934)

اللقاءات الرئيسية

لقاء حاييم وايزمان مع يوزف بيك في سبتمبر 1937

 

نمونه‌های أخرى

بالإضافة إلى ألمانيا وبولندا، هناك أدلة أخرى على تعاون مباشر بين الصهاينة وحكومات معادية للسامية في ثلاثينيات القرن العشرين. ومع ذلك، فإن النهج العام للصهاينة في تلك الفترة كان يعكس رغبتهم في استغلال الضغوط المعادية للسامية لتشجيع الهجرة. على سبيل المثال، أكد هرتزل في مفاوضاته مع السلطات العثمانية وقوى أوروبية أخرى أن الصهيونية يمكن أن تكون «حلًا للمسألة اليهودية»، وهو ما يتماشى مع مصالح الدول التي كانت تسعى لتقليل عدد السكان اليهود فيها.

الخلاصة

استخدم الصهاينة في عقود العشرينيات والثلاثينيات معاداة السامية كأداة استراتيجية لتشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين. تعكس آراء تيودور هرتزل، بما في ذلك تصريحاته في مذكراته ومقالته «موشل»، استخدام الخطاب المعادي للسامية للضغط على اليهود لدعم الصهيونية. كانت اتفاقية هواڤارا مع ألمانيا النازية والتعاون مع حكومة بولندا من أبرز الأمثلة على التفاعل مع الأنظمة المعادية للسامية من أجل زيادة عدد اليهود في فلسطين. هذه الإجراءات لعبت دورًا هامًا في تعزيز الوجود اليهودي في فلسطين ومهدت الطريق لتأسيس دولة إسرائيل في عام 1948.

مواجهة عاصفة الأقصى لمشروع IMEC الإسرائيلي

 

المصادر

1.
تئودور هرتزل
2.
مواصفات تئودور هرتزل
3.
توافق هاآوارا
4.
منظمة شباب الصهاينة "بيطار"
5.
وثائق مجلة "تابلت"
6.
موقع "تايمز أوف إسرائيل" الإخباري
7.
المذكرات الكاملة لتيودور هرتسل

تأليف: تيودور هرتسل

8.
اتفاقية النقل": قصة دراماتيكية عن الاتفاق بين الرايخ الثالث وفلسطين اليهودية

تأليف: إدوين بلاك

10.
هرتسل، ماوشل، ومعاداة السامية الصهيونية
13.
هل كانت معاداة السامية في بولندا شكلاً من أشكال الصهيونية؟

.

14.
أبناء جابوتينسكي: بيطار في بولندا

لا وجهات النظر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *