المقالة التي تقرأونها في نظم جديد كتبها جون شوارتز كاتب العمود الشهير في صحف نيويورك تايمز وول ستريت جورنال وذي اتلانتيك بعنوان «الان امريكا تخون الاكراد للمرة الثامنة!». في عام 2003 راهن جون شوارتز بمبلغ الف دولار على ان العراق لا يملك اي سلاح دمار شامل، وبالفعل ربح الرهان بعد فترة! الكاتب يعرض حالات متعددة من خيانة امريكا للاكراد ويظهر بوضوح الطبيعة غير الموثوقة لهذا البلد وساسته. في الواقع ان المصالح والحفاظ على المكانة هي اهم المواضيع التي تهم الاميركيين، وما ان ينتهي المشروع والمخطط حتى يأتي دور الخيارات الاخرى.

کشتن کردها

اعلن البيت الابيض مساء الاحد ان الولايات المتحدة اعطت الضوء الاخضر لتركيا لكي تهاجم شمال سورية، في حين ان القوات الاميركية المتمركزة في تلك المنطقة تنسحب على ما يبدو الى نقطة اخرى في البلاد. هذا هو بالضبط السيناريو الذي كان اكراد سورية يخشونه منذ سنوات. هذا القرار سيؤدي شبه مؤكد الى هجوم تركي ضد القوات الكردية في سورية؛ المقاتلون الذين ساعدوا باخلاص كامل الولايات المتحدة في تدمير داعش، لكن تركيا تصفهم من دون اساس بانهم ارهابيون.
صباح يوم الاثنين طرح «بول كروغمان»، كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز، عبر ثلاث عبارات، هذا السؤال: لماذا اتخذ «دونالد ترامب» مثل هذا القرار؟

پل کروگمن
توییت پل کروگمن

اما النقطة التي اغفلها كروغمان هي التفسير الاكثر احتمالاً: ان ترامب هو رئيس الولايات المتحدة. في هذا العالم لا شيء مؤكد سوى الموت والضرائب وخيانة امريكا للاكراد. لقد خانت الولايات المتحدة الاكراد ما لا يقل عن ثماني مرات خلال القرن الماضي. اسباب ذلك واضحة: الاكراد شعب يبلغ عدده نحو اربعين مليون نسمة يعيشون عند تقاطع تركيا وسورية وايران والعراق. كثير منهم بطبيعة الحال يرغبون في تأسيس دولتهم المستقلة، لكن تلك الدول الاربع لا تريد بطبيعة الحال ان يحدث ذلك.

من جهة، الاكراد اداة مثالية للسياسة الخارجية الاميركية؛ يمكننا ان نسلحهم في اي بلد يعتبر عدواً لنا حالياً، سواء لاضعاف حكومته او لتحقيق اهداف اخرى. لكن من جهة اخرى، لا نريد ابداً للاكراد الذين نستخدمهم ان يصبحوا اقوياء اكثر من اللازم؛ لان ذلك سيدفع الاكراد الاخرين، اي الذين يعيشون وراء الحدود في دول حليفة لنا، الى التفكير بالحرية والاستقلال. هذا بالضبط هو المسار الذي تكرر مراراً وتكراراً منذ الحرب العالمية الاولى وحتى اليوم.

الخيانة الاولى: معاهدة سيفر والغاؤها

مثل كثير من الحركات الوطنية الاخرى، ازدهرت القومية الكردية في اواخر القرن التاسع عشر. في ذلك الوقت كانت جميع اراضي كردستان تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية التي كان مركزها في تركيا الحالية. لكن الامبراطورية العثمانية انهارت بعد هزيمتها في الحرب العالمية الاولى، ورأى الاكراد، ولهم كل الحق، في هذا الانهيار فرصة لهم.

معاهدة سيفر عام 1920 قامت بتفكيك الامبراطورية العثمانية بالكامل وحددت جزءاً منها من اجل احتمال تأسيس دولة كردستان. لكن الاتراك عارضوا ذلك واثاروا من العراقيل ما يكفي لكي تدعم الولايات المتحدة معاهدة جديدة عام 1923 باسم معاهدة لوزان. هذا الاتفاق سمح لبريطانيا وفرنسا بالاستحواذ على العراق وسورية الحالية، لكنه لم يعترف بأي حق للاكراد.

كانت هذه اولى واصغر خيانة اميركية للاكراد. ومع ذلك، في تلك المرحلة كانت الخيانات الرئيسية من جانب بريطانيا. فقد قمعت بريطانيا حكومة كردستان القصيرة العمر والمؤقتة في العراق في اوائل عشرينيات القرن الماضي. وبعد بضع سنوات رحبت بجمهورية كردستان «آرارات» التي تأسست داخل الاراضي التركية، لكنها لاحقاً، بعدما رأت ان الحفاظ على العلاقات مع تركيا اهم من الاكراد، سمحت لتركيا بأن تدمر هذه الجمهورية الناشئة ايضاً.

لغو عهدنامه سور
عهدنامه سور

هذه الاحداث كانت هي التي جلبت لبريطانيا لقب «الانكليز المخادع (perfidious Albion)». اما الان فالولايات المتحدة هي التي ارتدت هذا الرداء المليء بالخيانة.

الخيانة الثانية: ستينيات القرن العشرين، دعم قصير المدى وهجوم طويل المدى

بعد الحرب العالمية الثانية، تولت الولايات المتحدة تدريجياً دور بريطانيا كالقوة الاستعمارية الرئيسية في الشرق الاوسط. خلال حكم «عبد الكريم قاسم (رئيس وزراء العراق الرابع والعشرون)» (1958–1963) الذي لم يلتزم بالتعليمات، سلحت الولايات المتحدة الاكراد في العراق.

ثم دعمت الولايات المتحدة الانقلاب العسكري عام 1963 الذي نفذ بمساعدة جزئية من شاب يدعى صدام حسين. بعد الانقلاب، قطعت الولايات المتحدة فوراً المساعدات عن الاكراد ووفرت حتى الناپالم (نوع من الاسلحة الحارقة) للحكومة العراقية الجديدة لاستخدامه ضدهم.

کردهای مسلح عراق

الخيانة الثالثة: سبعينيات القرن العشرين، الصفقة مع الشاه وصدام، وسفك دماء الاكراد

في سبعينيات القرن العشرين، اتجهت حكومة العراق نحو الاتحاد مع الاتحاد السوفيتي. وضعت إدارة نيكسون بتوجيه من كيسنجر خطة مع شاه ايران لتسليح الاكراد في العراق. لكن الهدف لم يكن انتصار الاكراد، لان ذلك كان قد يؤدي الى تمرد الاكراد في ايران أيضاً. الهدف كان فقط اضعاف الحكومة العراقية. وكما كتب تقرير لاحقاً عن الكونغرس الأمريكي: «هذه السياسة لم تُشرح أبداً للاكراد. لقد تم تشجيعهم على مواصلة الحرب. حتى ضمن العمليات السرية، كان هذا الفعل منا لعبة سياسية متشائمة تماماً».

بعد ذلك، وافقت الولايات المتحدة، بمعرفة وموافقة، على اتفاق شاه وصدام الذي شمل قطع المساعدات عن الاكراد. هاجم الجيش العراقي الشمال وارتكب مجازر ضد آلاف الاشخاص، بينما بقيت الولايات المتحدة غير مبالية بصراخ حلفائها السابقين. وعندما سئل كيسنجر عن ذلك، أجاب بلا مبالاة: «لا ينبغي الخلط بين العمليات السرية والعمل الانساني.»

کشتن کردها
خیانت به کردها

الخيانة الرابعة: ثمانينيات القرن العشرين، الابادة الكيميائية وصمت الولايات المتحدة

في ثمانينيات القرن العشرين، قامت حكومة العراق بارتكاب إبادة حقيقية ضد الاكراد، بما في ذلك استخدام الاسلحة الكيميائية. كانت إدارة ريغان على علم كامل باستخدام صدام لغازات الاعصاب، لكنها عارضت فرض عقوبات على العراق لأنه كان يضر بإيران. كما لعبت وسائل الاعلام الاميركية دورها. فعندما حاول صحفي من واشنطن بوست نشر صورة لكردي ضحية للغازات السامة، قال رئيس التحرير: «من يهتم؟»

الخيانة الخامسة: عام 1991، وعد زائف بالتمرد وتركهم في المجازر

خلال قصف العراق من قبل الولايات المتحدة في حرب الخليج عام 1991، صرح جورج دبليو بوش صراحة: «يجب على الجيش والشعب العراقي التحرك لإسقاط الدكتاتور صدام حسين».

أخذ الشيعة في جنوب العراق والأكراد في الشمال هذه الرسالة على محمل الجد وثاروا. لكن تبين أن بوش لم يكن صادقاً بهذا الشأن ولم تُظهر القوات الأمريكية أي رد فعل، وراقبت مجازر المتمردين على يد الجيش العراقي. ولكن لماذا؟

يعتقد توماس فريدمان، كاتب العمود في نيويورك تايمز، أن الولايات المتحدة لم تكن أبداً داعمة لثورة الأكراد أو الشيعة أو أي حركة تطالب بالديمقراطية في العراق، لأن «اليد الحديدية لصدام كانت تحافظ على وحدة العراق، وهذا كان مرغوباً للغاية لدى حلفاء أمريكا، أي تركيا والسعودية».

الخيانة السادسة: تسعينيات القرن العشرين، الاكراد الجيدون والاكراد السيئون

على الرغم من كل الخيانات، أجبرت الصور المؤلمة للاكراد المحتضرين على شاشة التلفزيون إدارة بوش على الرد. دعمت الولايات المتحدة محاولة بريطانيا إنشاء منطقة آمنة للاكراد في شمال العراق.

في تسعينيات القرن العشرين، كانت إدارة كلينتون تعتبر الاكراد في العراق «الاكراد الجيدين» لأنهم كانوا أعداء صدام. لكن الاكراد الذين يعيشون على بعد عدة كيلومترات في تركيا وكانوا في صراع مع الحكومة التركية أصبحوا «الاكراد السيئين». زودت الولايات المتحدة تركيا بكميات كبيرة من الاسلحة؛ اسلحة استُخدمت، ومع علم كامل من امريكا، لقتل عشرات الآلاف من الاكراد وتدمير آلاف القرى على يد الجيش التركي.

کردهای ترکیه
کردهای عراق

الخيانة السابعة: عام 2003، وعد مرة اخرى وخيانة مرة اخرى

قبل الغزو على العراق عام 2003، ادعى أشخاص مثل «كريستوفر هيتشنز» أنه يجب علينا دخول الحرب لمساعدة الاكراد. لكن «دانيال السبرغ» (مبلغ عن وثائق البنتاغون) قال في مقابلة مع المحافظ الجديد «ويليام كريستول» على C-SPAN:

السبرغ: لدى الاكراد أسباب كثيرة للاعتقاد أن الولايات المتحدة ستخونهم مرة اخرى، كما فعلت مراراً في الماضي…

كريستول: بالتأكيد لا تعني أنه لأنه قد خانّاهم سابقاً، يجب علينا الخيانة هذه المرة أيضاً؟

السبرغ: ليس أنه يجب… بل بالتأكيد سنفعل.

كريستول: لا، لن نخون هذه المرة.

بالطبع كان السبرغ محقاً. الاستقلال النسبي للأكراد في العراق بعد الحرب أثار قلق تركيا الشديد. في عام 2007، سمحت الولايات المتحدة لتركيا بشن هجمات عنيفة ضد الأكراد العراقيين. في ذلك الوقت، كتبت مجلة كريستول، ويكلي ستاندرد، أن هذه الخيانة هي بالضبط ما يجب على أمريكا فعله.

الخيانة الثامنة: ترامب والضوء الأخضر للمجزرة القادمة

مع الضوء الأخضر من ترامب لإبادة أخرى ضد الاكراد، وصلت الولايات المتحدة الآن إلى خيانتها الثامنة. مهما شئتم أن تقولوا عن سياسات أمريكا، لا يمكن لأحد أن ينكر أن نحن (المسؤولون الأمريكيون) ثابتون في خياننا للاكراد. لدى الاكراد مثل قديم يمكن القول الآن أكثر من أي وقت مضى أنه صحيح ويقول:

«ليس لدينا أي صديق سوى الجبال»

دور الولايات المتحدة في تشكيل داعش

المصادر

1.
خيانة أمريكا للأكراد

https://theintercept.com/۲۰۱۹/۱۰/۰۷/kurds-syria-turkey-trump-betrayal

لا وجهات النظر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *