ما هو مشروع IMEC الإسرائيلي؟
تشهد الرؤية الجيوسياسية في الشرق الأوسط تحوّلًا عميقًا؛ تحوّلًا ناتجًا عن التحول الاستراتيجي لإسرائيل من السيطرة العسكرية فقط إلى النفوذ الاقتصادي. في مركز هذه الاستراتيجية الكبرى، يقع “الممر الاقتصادي الهند-الشرق الأوسط-أوروبا” (IMEC)؛ مشروع يهدف إلى إعادة تعريف طرق التجارة الإقليمية من خلال ربط الهند بأوروبا عبر دول الخليج العربي وميناء حيفا الإسرائيلي.
هذه المبادرة التي تحظى بدعم الولايات المتحدة، على الورق تجعل إسرائيل معبرًا تجاريًا محوريًا، لتطبيع علاقاتها مع الدول العربية وتهميش الدور الاقتصادي لإيران. لكن هذه الاستراتيجية واجهت مقاومة شديدة؛ أبرزها كان “عاصفة الأقصى” التي تشير الأدلة إلى أن جزءًا من دوافعها كان القلق من تطبيع علاقات إسرائيل مع السعودية وتوفير الأرضية للصهيونية لتحقيق أهدافها النهائية (ضم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى المناطق المحتلة). في الواقع، يعد IMEC استمرارًا للتوسع التاريخي للصهاينة الذي يهدد السيادة الفلسطينية ويزيد من التفاوتات الإقليمية.
تم الكشف عن مشروع IMEC في قمة مجموعة العشرين في سبتمبر 2023، وكان نقطة تحول في استراتيجية إسرائيل لإعادة تشكيل الشرق الأوسط لصالحها. وفي هذا السياق، قدّم رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، في خطابه في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2023، خريطة “الشرق الأوسط الجديد” التي أظهرت الضفة الغربية وغزة المحتلتين كجزء من إسرائيل، حيث تم محو الهوية الفلسطينية تمامًا.
هذا التصرف الاستفزازي، مع الطموحات التي تضمنها مشروع IMEC لتحويل إسرائيل إلى مركز تجاري إقليمي، أثار مخاوف جدية لدى المحللين وجماعات دعم فلسطين. في هذا الصدد، أعلنت حركة حماس، مستندة إلى معلومات أمنية موثوقة، أن إسرائيل تخطط لهجوم ضخم على غزة في سياق استراتيجية تسهيل تنفيذ IMEC، بهدف تهجير سكانها وتطهيرها. في الواقع، يعد IMEC استمرارًا للطموحات الاستعمارية الصهيونية التي تهدف إلى تثبيت السيطرة الاقتصادية والسياسية لإسرائيل وتهميش الفلسطينيين وغيرهم من المنافسين الإقليميين لهذا النظام. وكانت “عاصفة الأقصى” رد فعل على هذه التهديدات.


توسع استراتيجية إسرائيل من السيطرة العسكرية إلى الهيمنة الاقتصادية
لطالما استندت السياسة الخارجية لإسرائيل إلى استخدام التدخلات العسكرية، من حرب الأيام الستة عام 1967 إلى النزاعات المتكررة في غزة ولبنان وغزو أمريكا للعراق عام 2003. من بين أهداف هذه الهجمات العسكرية تأمين حدود إسرائيل، وتعزيز هيمنتها الإقليمية، وقمع الحركات المعارضة مثل حماس وحزب الله؛ لكن استمرار هذه الجماعات أدى إلى عدم فعالية الاستراتيجيات العسكرية لإسرائيل. اليوم، يشكل “محور المقاومة” تحديًا لهيمنة إسرائيل، مما دفعها إلى إعادة النظر في سياساتها. تكاليف الحروب الطويلة، مثل تأثير حرب غزة في عام 2024 على الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، تبرز قيود الحلول العسكرية أكثر من أي وقت مضى. كما دفعت إسرائيل إلى توسيع أفعال هيمنتها الإقليمية نحو استراتيجيات اقتصادية، وكان مشروع IMEC بمثابة مبادرة مركزية في هذا الصدد.
لذلك، كان محور اهتمام إسرائيل حتى الآن التدخلات العسكرية واحتلال المناطق المحيطة بها؛ لكنها تواجه الآن مقاومة متزايدة من شعوب المنطقة والعالم. من جهة أخرى، أدت التكاليف الاقتصادية الثقيلة للحروب إلى تباطؤ النمو الاقتصادي للدولة في عام 2024. في هذا السياق، أصبح مشروع IMEC، الذي يربط الهند عبر الإمارات والسعودية وميناء حيفا بأوروبا، استراتيجية اقتصادية كبرى للصهاينة لخلق تبعيات إقليمية وربطها بإسرائيل. هذا ليس مجرد تغيير شكلي؛ بل هو شكل معقد من استمرار استراتيجية الهيمنة عبر الأداة الاقتصادية، حيث يحل التحكم الاقتصادي محل السيطرة العسكرية البحتة لمواجهة وتهميش المعارضين لإسرائيل، بما في ذلك إيران والشعب الفلسطيني وداعميه.
مشروع IMEC، طريق لتحقيق هيمنة إسرائيل الإقليمية
IMEC هو مشروع بنية تحتية متعدد الطبقات يهدف إلى ربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا عبر السكك الحديدية والموانئ وخطوط الطاقة. يشمل هذا المشروع مسارين: المسار الشرقي الذي يربط الهند بالخليج العربي، والمسار الشمالي الذي يربط الخليج عبر ميناء حيفا الإسرائيلي بأوروبا.
بالنسبة لإسرائيل، يشكل IMEC فرصة لتطوير البنية التحتية للنقل، والتحول إلى مركز ترانزيت رئيسي، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج، خصوصًا السعودية والإمارات. لكن الأهداف التي يسعى الصهاينة لتحقيقها من خلال هذا المشروع تختلف. فعلى الرغم من أن المشروع يُروج له بهدف تقليل الوقت وتكاليف النقل، ويُنفذ بالتعاون بين الشركاء، إلا أنه يحمل أهدافًا سياسية مهمة إلى جانب الفوائد الاقتصادية (مثل تطوير البنية التحتية، وتعزيز التجارة، والعلاقات مع دول الخليج العربي)، من بينها تجاوز السيطرة الاقتصادية لإيران على مضيق هرمز وإنهاء هدف التطهير العرقي للفلسطينيين.
خريطة نتنياهو التي تمحّي المناطق الفلسطينية وتدمجها ضمن رؤية IMEC تُعتبر أداة سياسية جانبية لضم كافة الأراضي الفلسطينية.
محو الهوية الفلسطينية، هدف نتنياهو من مشروع IMEC
في خطابه عام 2023 أمام الأمم المتحدة، عرض نتنياهو خريطة تظهر الضفة الغربية وقطاع غزة كجزء من إسرائيل. وصف “ليث عرفه”، ممثل فلسطين في الأمم المتحدة، هذا التصرف بأنه “إهانة” لميثاق وأسس الأمم المتحدة. وقد فسّر محللون وخبراء آخرون هذه الخطوة كمقدمة للضم الرسمي للأراضي الفلسطينية وإلغاء مطالبهم بشأن تنفيذ IMEC بدون عوائق. هذه الخريطة تتماشى مع حلم “إسرائيل الكبرى (Greater Israel)” الذي يتبناه الصهاينة واليهود المتطرفون مثل بتسلئيل سموتريتش (Bezalel Smotrich)، وتعكس خطتهم طويلة الأمد لإلغاء السيادة الفلسطينية تحت غطاء التنمية الاقتصادية.

عاصفة الأقصى، رد حركة حماس على تهديد وجودي
كان هجوم 7 أكتوبر 2023 من حركة حماس مستندًا إلى معلومات تشير إلى أن إسرائيل تستعد لتهجير سكان غزة. كما أن التقارب وتوثيق العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، إحدى الدول المهمة والمؤثرة في تحقيق الأهداف والصهيونية مثل “إسرائيل الكبرى” ضمن ممر IMEC، كان من الدوافع أيضاً. في الواقع، كان هذا إجراءً استباقيًا من الفلسطينيين وحركات المقاومة لمواجهة نية إسرائيل في التقدم بسياسة الضم السكاني وتحقيق أهدافها النهائية.
مشروع IMEC يصب في مصلحة إسرائيل ولا يحمل أي فوائد للشعب الفلسطيني (رغم الادعاءات الزائفة للصهاينة)؛ فهم لا يزالون يعانون من الحصار الشديد على غزة واستمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. فرض الحصار الاقتصادي، ومشاريع مثل ممر موراغ (Morag Corridor) وممر فيلادلفيا (Philadelphi Corridor) في غزة، تشكل علامات على سياسة السيطرة الصارمة والانقسام الجغرافي التي تزيد من احتمال التهجير القسري للفلسطينيين. يرى النقاد أن هذه السياسات تمثل تطهيرًا عرقيًا علنيًا؛ وهو نهج تم تطبيقه في 1948 ويعاد تنشيطه الآن من خلال مشاريع مثل IMEC بطريقة جديدة.
دعم أمريكا لـ IMEC وتداعياته الجيوسياسية
قدمت الولايات المتحدة دعمًا واسعًا لمشروع IMEC منذ بدايته. ويأتي هذا الدعم كجزء من استراتيجية الولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط ومواجهة توسع نفوذ الصين وإيران. تسعى أمريكا من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني بين إسرائيل والهند ودول الخليج العربي إلى تشكيل كتلة إقليمية قوية تتحكم في طرق التجارة العالمية. من وجهة نظرهم، يمكن لهذا الإجراء أن يعزل محور المقاومة ويقلل من قدرة إيران الإقليمية. تعتبر واشنطن أن IMEC استراتيجية لمواجهة “مبادرة الحزام والطريق” الصينية ونفوذ إيران في المنطقة. ومن منظور واشنطن، بدعم هذا المشروع، تعزز موقع إسرائيل وتحافظ على نفوذها الإقليمي. دعم أمريكا لـ IMEC هو جزء من جهودها الإمبريالية الدائمة للحفاظ على مكانة إسرائيل وفي الوقت ذاته تجاهل حقوق الفلسطينيين.


ردود الفعل الدولية السلبية على خطوة نتنياهو
أثارت الخريطة التي قدمها نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2023، والتي أظهرت الضفة الغربية وقطاع غزة وشرق القدس المحتلة كجزء من إسرائيل، غضبًا واسعًا بين الفلسطينيين والمجتمع الدولي. يرى المنتقدون أن هذه الخطوة مؤشر على نية إسرائيل لضم الأراضي الفلسطينية وتقدم استراتيجيات كبرى مثل “إسرائيل الكبرى” وخطة الانفصال الكامل.
تشكل هذه الخريطة ومشروع آيمك جزءًا من الجهود الصهيونية لترسيخ الاحتلال وتهميش الفلسطينيين. كما ذُكر سابقًا، وصف ليث عرفة، سفير فلسطين في ألمانيا، هذه الخريطة بأنها “إهانة للمبادئ الأساسية للأمم المتحدة” وأعلن أن هذه الخطوة تنكر حقوق الشعب الفلسطيني، في حين أن نتنياهو يتحدث عن السلام وهو يرسخ الاحتلال طويل الأمد لإسرائيل.
تلقى هذا التصريح اهتمامًا واسعًا في الإعلام الدولي، حيث أشار منتقدون مثل يوسف مناير إلى أن هذه الخريطة التي عرضها نتنياهو تهدف إلى تطبيع العلاقات مع الدول العربية لـ “إزالة فلسطين من المنطقة وإضفاء الشرعية على مشروع إسرائيل الكبرى”. كما أدانت منظمة العفو الدولية هذه الخطوة واعتبرتها علامة على سياسات الفصل العنصري الإسرائيلية التي تنتهك حقوق الفلسطينيين. تعكس هذه الردود قلقًا واسعًا من محاولات إسرائيل لتبرير الاحتلال عبر أدوات اقتصادية مثل آيمك.
بشكل عام، تصاعد الضغط الدولي على إسرائيل بعد عرض خريطة نتنياهو واستمرار السياسات العسكرية في غزة والضفة الغربية. وفي مايو 2025، قالت سنام، المحللة في تشاتم هاوس، إن الإدانات العالمية وحدها غير كافية لتغيير مسار حكومة نتنياهو، وهناك حاجة إلى إجراءات محددة مثل العقوبات والاعتراف بدولة فلسطين. تعكس هذه الردود عزلة متزايدة لإسرائيل على الساحة الدولية، في حين يُنظر إلى مشاريع مثل آيمك كأدوات لتبرير الاحتلال الإسرائيلي.
ارتباط إجراءات نتنياهو باستراتيجية الانفصال الكامل
ترتبط خريطة نتنياهو ومشروع آيمك بوضوح باستراتيجية «الانفصال الكامل (Clean Break)» التي وضعتها في عام 1996 مجموعة من المحافظين الجدد الأمريكيين والإسرائيليين، من بينهم ريتشارد بيرل (Richard Perle) وديفيد ورمسر (David Wurmser)، لصالح حكومة نتنياهو. وفقًا لهذه الوثيقة، يجب على إسرائيل الابتعاد عن مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، وإضعاف دول محور المقاومة (إيران، سوريا، والجماعات المقاومة الإقليمية مثل حزب الله)، وتعزيز العلاقات مع الدول العربية مثل الأردن والسعودية.
يُعتبر مشروع آيمك، مع تركيزه على تطبيع العلاقات مع دول الخليج وتجاوز إيران، امتدادًا لهذه الاستراتيجية، ويهدف ظاهريًا إلى إنشاء تكتل اقتصادي وسياسي بقيادة إسرائيل.


إسرائيل الكبرى والتطهير العرقي
تشير خريطة نتنياهو في الأمم المتحدة مباشرة إلى مفهوم “إسرائيل الكبرى” (Eretz Yisrael)، وهو جزء أساسي من القومية الصهيونية المتطرفة، التي تدعي السيطرة على جميع الأراضي التاريخية لفلسطين، بالإضافة إلى أجزاء من الأردن ولبنان وسوريا. يظهر هذا المفهوم في تصريحات أعضاء ائتلاف اليمين لنتنياهو، مثل سموتريتش، الذي صرح في عام 2023 بأن “الفلسطينيين غير موجودين”. تعزز الخريطة المقدمة في عام 2023 والخريطة التالية في يناير 2025، التي تشمل أراضي الدول المجاورة أيضًا، هذا المفهوم بشكل كامل. تشكل هذه الخرائط ومشروع IMEC جزءًا من مشروع طويل الأمد لضم الأراضي الفلسطينية وتوسيع نفوذ إسرائيل، والذي يتماشى مع سياسات التطهير العرقي التاريخية، مثل التي حدثت عام 1948.
الهدف | الشرح | التأثيرات |
التحول إلى مركز اقتصادي إقليمي | من الأهداف الرئيسية لمشروع IMEC تحويل إسرائيل إلى محور ومركز نقل واقتصاد عبر ميناء حيفا وخلق تبعية للدول المجاورة. | زيادة التجارة والنفوذ الاقتصادي للنظام |
تطبيع العلاقات | تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع بعض دول الخليج مثل السعودية والإمارات والبحرين … من الأهداف اللازمة لمواجهة إسرائيل الشاملة مع منافسيها مثل إيران. | ترسيخ التحالفات الإقليمية وعزل إيران |
تهميش إيران | تجاوز المسارات التجارية لإيران في المنطقة من خلال دفع مشروع IMEC من الأهداف المهمة لهذا المشروع، ويتوافق ذلك مع تحركات وتدخلات أمريكية أخرى في المنطقة للحد من نفوذ إيران. | تقليل النفوذ الاقتصادي لإيران |
جدول: أهداف إسرائيل من تنفيذ مشروع IMEC
الحرب بين إيران وإسرائيل، الفينيق ينهض!
منابع
Abu-Lughod, I. (2010). The Palestinian People: A History. Harvard University Press
.
.
https://www.amnesty.org/en/documents/mde15/5141/2022/en
.
لا وجهات النظر